کد مطلب:370277 سه شنبه 23 مرداد 1397 آمار بازدید:518

الفصل الأول الجهل.. والعلم












الصفحة 166












الصفحة 167


الجهل والجفاء:


لا ریب فی أن «الخوارج» كانوا یعانون من الجهل الذریع، ومن السفاهة القاتلة ما یفوق حد الوصف. وكانوا فی الأكثر اعراباً جفاةً، لم یستضیئوا بنور العلم، ولم یلجأوا إلى ركن وثیق ونذكر من شواهد ذلك ما یلی:


1 ـ إن أبا حمزة حینما دخل المدینة فی سنة130ه. «بلغه: أن أهل المدینة یعیبون أصحابه، لحداثة أسنانهم، وخفة أحلامهم»(1) فقام خطیباً فی أهل المدینة، فكان مما قال: «یا أهل المدینة، بلغنی أنكم قلتم، تتنقصون أصحابی: شباب أحداث، وأعراب جفاة، ویلكم إلخ..»(2).


____________



(1) الأغانی ج20 ص105 والعقود الفضیة ص209 وراجع ص215.


(2) الكامل فی التاریخ ج5 ص390 وتاریخ الأمم والملوك ج6 ص59 وشرح نهج البلاغة للمعتزلی ج5 ص115 وراجع ص119 وج2 ص267 والأغانی ـ ط ساسی ج20 ص104و105و107 ونهج البلاغة ج1 ص83 والعقود الفضیة ص207 والعقد الفرید ج4 ص144 والبیان والتبیین ج2 ص124، ولم یذكر: أنهم عیروه بأصحابه شباب إلخ..













الصفحة 168


2 ـ وعن علی (علیه السلام): «.. وأنتم معاشر أخفاء (صغار خ. ل) الهام، سفهاء الأحلام»(1).


وقد ورد عن النبی (صلى الله علیه وآله) أیضاً قوله: «یخرج قوم فی آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام»(2).


ومن المضحك: أنهم قد رووا عكس ذلك أیضاً عن النبی (صلى الله علیه وآله): فقد روی أنه جاءته صدقة بنی تمیم، فقال: هذه صدقة قومی، وسمعته یقول: «ضخم الهام، رجح الأحلام، وأشد على الرجال فی آخر الزمان»(3).


ولاریب فی أن هذا الحدیث فیه تحریف ووضع، وأخلق به أن یكون قد وضع من قبل «الخوارج»، الذین عرف عنهم: أنهم إذا احبوا أمراً صیروه حدیثاً، كما سنرى.


ومن الواضح: ان بنی تمیم لیسوا هم قوم رسول الله (صلى الله علیه وآله) ولا میزة لهم من حیث القرابة عن غیرهم من سائر قبائل العرب..


كما أن اللافت هنا هو: أن أكثر «الخوارج» الأولین قد كانوا من بنی تمیم، فوضعت هذه الروایة على لسان النبی (صلى الله علیه وآله) فی مدحهم!!


ویلاحظ: أنها قد جاءت على نسق العبارة المرویة عن النبی (صلى الله علیه وآله)،


____________



(1) تاریخ الطبری ج4 ص63 والكامل فی التاریخ ج3 ص344 والمصنف للصنعانی ج10 ص157 ومنحة المعبود ج2 ص185 ومسند الطیالسی ص24 والفصول المهمة لابن الصباغ ص92 ونهج البلاغة بشرح محمد عبده، الخطبة رقم 35 وبهج الصباغة ج3 ص110 عن الطبری ـ والموفقیات ص327 ونور الأبصار ص102.


(2) خصائص الإمام علی (علیه السلام) للنسائی ص140 وسنن أبی داود ج4 ص244 والسنن الكبرى ج8 ص170 ومستدرك الوسائل ج2 ص148 ومسند أحمد ج4 ص357 والبدایة والنهایة ج7 ص290.


(3) البرصان والعرجان ص309 وقال فی هامشه: أنظر صحیح مسلم 1957.













الصفحة 169


وعن علی (علیه السلام) فی ذمهم، وهی الروایة المتقدمة.


3 ـ قال رجل من أصحاب أمیر المؤمنین لعبد الله بن وهب الراسبی، زعیم خوارج النهروان: «أنت ـ والله ـ ما فهمت فی دین الله ساعة قط. وما زلت جلفاً جافیاً مذ كنت»(1).


4 ـ قال الحسن البصری: «العامل على غیر علم كالسالك على غیر طریق. والعامل على غیر علم ما یفسد أكثر مما یصلح، فاطلبوا العلم طلباً لا تضروا بالعبادة، واطلبوا العبادة طلباً لا تضروا بالعلم، فإن قوماً طلبوا العبادة، وتركوا العلم حتى خرجوا بأسیافهم على أمة محمد.


ولو طلبوا العلم لم یدلهم على ما فعلوا»(2). یرید بذلك «الخوارج».


5 ـ وحینما أرسل علی بن عبد الله بن العباس دعاته، وصف لهم البلاد، فكان مما قاله لهم: «.. وأما الجزیرة فحروریة مارقة، وأعراب كاعلاج، ومسلمون أخلاقهم كأخلاق النصارى»(3).


ونظیر ذلك ورد عن الأصمعی أیضاً، فراجع(4).


____________



(1) الفتوح لابن أعثم ج4 ص126.


(2) جامع بیان العلم ج1 ص165.


(3) معجم البلدان لیاقوت ج2 ص352 وأحسن التقاسیم ص293 وعیون الأخبار لابن قتیبة ج1 ص204 والسیادة العربیة، والشیعة والإسرائیلیات ص93 والحضارة الإسلامیة فی القرن الرابع الهجری ج1 ص102.


(4) روض الأخیار ص67، والعقد الفرید ج6 ص248.













الصفحة 170


6 ـ وما أحسن ما وصفهم به رئیس معتزلة بغداد، بشر بن المعتمر، حیث ذكر خلوهم من العلم والفهم، وذكر حرقوص بن زهیر، أحد زعمائهم، المقتول فی النهروان، فقال:


 

























ما كان من أسلافهم أبو الحسن ولا ابن عباس ولا أهل السنن
غر مصابیح الدجى مناجب أولئك الأعلام لا الأعارب
كمثل حرقوص، ومن حرقوص؟ فقعة قاع حولها قصیص
لیس من الحنظل یشتار العسل ولا من البحور یصطاد الورل
هیهات ما سافلة كعالیة ما معدن الحكمة أهل البادیة(1)



الفقعة: الرخو من الكمأة. والقصیص: شجر تنبت الكمأة فی أصلها.


7 ـ وقال لهم عمر بن عبد العزیز: «فاتقوا الله، فأنتم جهال، تقبلون من الناس ما رد علیهم رسول الله (صلى الله علیه وآله)، وتردون علیهم ما قبل، ویأمن عندكم من خاف، ویخاف عندكم من امن عنده، وشهد إلخ..»(2).


8 ـ وفی حرب شیبان الخارجی مع مروان یقول النص التاریخی: «فصبر معه جماعة من الأعراب، فلحقوا بأهالیهم»(3).


9 ـ وقال الحسن البصری فی كلام له عن العلم، ویشیر به إلى «الخوارج»: «إن قوماً طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسیافهم على أمة محمد، ولو طلبوا العلم لم یدلهم على ما فعلوا»(4).


____________



(1) الحیوان للجاحظ ج6 ص455.


(2) العیون والحدائق ص46 ومروج الذهب ج3 ص192.


(3) المصدر السابق ص162.


(4) جامع بیان العلم ج 1 ص165.













الصفحة 171


وقد أشار عدد من المؤلفین والمؤرخین إلى ما كان علیه «الخوارج» من البداوة والجهل والجفاء، فراجع..(1).


قصم ظهری اثنان:


وهؤلاء هم الجهال المتنسكون، الذین قال عنهم أمیر المؤمنین (علیه السلام): «قصم ظهری اثنان عالم متهتك، وجاهل متنسك»(2).


وقد ابتلى بهم أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وقد كانت الضربة التی تلقاها (صلوات الله وسلامه علیه) من هؤلاء الجهال المتنسكین، الذین كانوا یرون أنفسهم أعلم من باب مدینة علم النبی (صلى الله علیه وآله)، أشد وأقوى من كل الضربات، فلو أنهم لم یقفوا ذلك الموقف البغیض فی صفین وبعدها، وتركوا الأمور تجری على حسب ما یریده (علیه السلام)، لتغیر وجه التاریخ، ولربما كان قد عم الإسلام العالم، ولم یكن قد بقی ثمة مبرر لمهادنة الإمام الحسن (علیه السلام) لمعاویة، ثم استشهاده، ولا كان ثمة أثرٍ لفاجعة كربلاء، ولا لغیر ذلك من مصائب ورزایا تعرضت لها الأمة الإسلامیة، والبشریة جمعاء، حیث إنها لم تكن لتوجد من الأساس.


نعم.. لقد كان هذا الجهل المركب، واعتقادهم أنهم أعلم من أمیر المؤمنین (علیه السلام)، ومعه تظاهرهم بالنسك والزهد، من أشد المصائب وأنكاها.. قال ابن الجوزی:


____________



(1) راجع: تاریخ ابن خلدون ج3 ص165 وفجر الإسلام ص259و361 وضحى الإسلام ج3 ص332 وبعدها وتاریخ المذاهب الإسلامیة ص68/69 والخوارج فی الإسلام لعمر أبی النصر ص18 وقضایا فی التاریخ الإسلامی ص37 عن تاریخ الأمم والملوك ج5 ص516.


(2) البحار ج2 ص111و106 وج1 ص208 ومیزان الحكمة ج6 ص509.













الصفحة 172


«.. وقد كانت الخوارج تتعبد، إلا أن اعتقادهم: أنهم أعلم من علی بن أبی طالب، كرم الله وجهه، وهذا مرض صعب»(1).


وقال: «.. ولا أعجب من اقتناع هؤلاء بعلمهم، واعتقادهم أنهم أعلم من علی (رضی الله عنه)»(2).


«الخوارج».. یرجعون إلى تلامذة علی (علیه السلام):


وبعد.. فإن الكل كانوا یعرفون: أن أهل البیت (علیهم السلام) هم معدن العلم، وموضع الرسالة.. والكل یعلم ایضاً اختصاص ابن عباس بعلی أمیر المؤمنین (علیه السلام)، ومشاركته له فی حروبه، [حتى حروب النهروان ضد الخوارج] ودفاعه عن قضایاه، وكونه علویاً بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وقد أحس «الخوارج» بحاجتهم إلى الإلمام بشیء من الأحكام، إذ لم یعد جائزاً لهم هذا الاستغراق فی ظلمات الجهل حتى بأبده البدیهیات، وهم یدعون: أنهم یحاربون الأمویین بدوافع دینیة، فلم یجدوا أمامهم سوى ذلك الذی كرهوه، وحاربوه، وشیعته وأولیاءه فلجأوا إلیهم فی ذلك، ولذلك نلاحظ أن نجدة الحروری الخارجی كان یسأل ابن عباس عن مسائل أشكلت علیه، ویعتمد على إجابته فیها..


فقد روى یزید بن هرمز، قال: كتب نجدة بن عامر إلى ابن عباس یسأله عن أشیاء، فشهدت ابن عباس حین قرأ كتابه، وحین كتب جوابه، فقال ابن عباس: لولا أرده عن شر یقع فیه، ما كتبت إلیه، ولا نعمة عین.


____________



(1) تلبیس إبلیس ـ ص93.


(2) تلبیس إبلیس ص95.













الصفحة 173


قال: فكتب إلیه:


إنك تسألنی عن سهم ذوی القربى الذی ذكر الله عز وجل من هم؟ وإنا كنا نرى قرابة رسول الله هم، فأبى ذلك علینا قومنا.


وساله عن الیتیم متى ینقضی یتمه، وأنه إذا بلغ النكاح، وأونس منه رشد دفع ماله، وقد انقضى یتمه.


وسأله هل كان رسول الله (صلى الله علیه وآله) یقتل من صبیان المشركین أحداً، فقال: إن رسول الله (صلى الله علیه وآله) لم یقتل منهم أحداً. وأنت فلا تقتل، إلا أن تكون تعلم ما علم الخضر من الغلام الذی قتله.


وسأله عن المرأة والعبد، هل كان لهما سهم معلوم إذا حضروا الباس، وأنه لم یكن لهم سهم معلوم، إلا أن یجزن من غنائم المسلمین(1).


وحسب نص البلاذری عن عبد الله بن هرمز قال: كنت كاتب عبد الله بن عباس إلى نجدة، وكتب إلیه یسأله عن النساء، هل كنّ یحضرن الحرب مع رسول الله (صلى الله علیه وآله)؟ وهل كان یضرب لهن بسهم؟! وهل كان للعبد فی المغنم سهم؟ ومتى كان یضرب للصبی؟ ویسأله عن سهم ذوی القربى.


فكتب إلیه: أن النساء كن یحضرن الحرب مع رسول الله (صلى الله علیه وآله)، فیرضخ لهن بسهم، وأنه لا سهم للعبد فی المغنم. وانه كان لا یضرب للصبی بسهم حتى یحتلم. وأن عمر بن الخطاب عرض علیه أن یزوج


____________



(1) مسند أحمد ج1 ص248/249 وج4 ص83 ومجمع الزوائد ج5 ص341 وسنن النسائی ج2 ص179 والخراج لأبی یوسف ص24 ـ 25 والأموال لأبی عبید ص463 وجامع البیان ج15 ص6 وأحكام القرآن للجصاص ص62و60 والسنن الكبرى ج6 ص342و343 وسنن أبی داود بیان مواضع الخمس وشرح النهج للمعتزلی ج12 ص212 ولسان المیزان ج6 ص148..













الصفحة 174


من سهم ذوی القربى أیمنا، ویقضی عن غارمنا، فأبینا إلا أن یسلمه إلینا، وأبى ذلك علینا(1).


وروى أبو الفرج الأصفهانی بسنده عن عمر الركاء قال: «بینما ابن عباس فی المسجد الحرام، وعنده نافع بن الأزرق، وناس من «الخوارج»، یسألونه، إذ أقبل عمر بن أبی ربیعة فی ثوبین مصبوغین مورّدین، أو ممصّرین حتى دخل وجلس، فأقبل علیه ابن عباس، فقال: أنشدنا، فأنشده:


 









أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر غداة غدٍ أو رائح فمهجر



حتى أتى على آخرها. فأقبل علیه نافع بن الأزرق، فقال: الله یا ابن عباس، إنا نضرب إلیك أكباد الإبل من أقاصی البلاد نسألك عن الحلال والحرام، فتتثاقل عنا، ویأتیك مترف من مترفی قریش، فینشدك: إلخ..»(2).


قال المبرد: «وكان نافع بن الأزرق ینتجع عبد الله بن العباس، فیسأله، فله عنه مسائل من القرآن وغیره، قد رجع إلیه فی تفسیرها، فقبله وانتحله، ثم غلبت علیه الشقوة»(3).


ثم ذكر المبرد شطراً من تلك المسائل، فراجع.


وروی: أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس فی آیة (وجوه یومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)? فقال ابن عباس:


____________



(1) الأغانی ج1 ص34/35 والكامل فی الأدب ج3 ص228و229.


(2) أنساب الأشراف ج1 ص517.


(3) الكامل فی الأدب ج3 ص222.













الصفحة 175


هو الذی لا كفؤ له، أی لا ینظر إلى النار برحمته. وأهل الجنة ینظرون إلیه فی ثوابه، وكرامته ورحمته، ولا یرونه بأبصارهم(1).


وروى الزبیریون: أن نافعاً قال له: ما رأیت أروى منك قط. فقال: ابن عباس: ما رأیت أروى من عمر، ولا أعلم من علی(2).


ولعله إنما ذكر له عمر لیرضیه بذلك، وإلا، فإن عمر، لم یكن معروفاً بالروایة فضلاً عن أن یكون أروى الناس.


روایة «الخوارج» عن مسلمة أهل الكتاب:


وقد ذكر الحارثی الإباضی: أن مسلم بن أبی كریمة، المتوفى فی خلافة ابی جعفر المنصور سنة 135هـ، وثبت وجوده عام ثمانیة وخمسین للهجرة(3). قال: «من لم یكن له أستاذ من الصحابة، فلیس هو على شیء من الدین، وقد منّ الله علینا بعبد الله بن عباس بن عبد المطلب عم رسول الله (صلى الله علیه وآله)، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام، وهم الراسخون فی العلم. وعلى آثارهم اقتفینا، وبقولهم اقتدینا، وعلى سیرتهم اعتمدنا وعلى منهاجهم سلكنا»(4).


فهو یجعل عبد الله بن سلام من الراسخین فی العلم، الذین اقتفى «الخوارج» آثارهم.


مع أن الراسخین فی العلم هم خصوص الأئمة من أهل البیت (علیهم السلام)، وحتى ابن عباس فإنه لیس منهم.


____________



(1) الإباضیة عقیدة ومذهباً ص105 عن الجامع الصحیح [للربیع بن حبیب] ج3 ص27 رقم 855.


(2) الكامل للمبرد ج3 ص230.


(3) راجع: العقود الفضیة ص139.


(4) العقود الفضیة ص140.













الصفحة 176












الصفحة 177